ديمقراطية المساهمين ولوائح الإشعار المسبق: قراءة في تجربة ولاية ديلاوير وقانون الشركات الأردني

Advance Notice Bylaws - لوائح الاشعار المسبق

Advance Notice Bylaws – لوائح الاشعار المسبق

في بداية هذا العام (2025)، وجدت محكمة ديلاوير نفسها أمام نزاع قانوني يُجسد المعضلة الشائعة بين المساهمين والادارات التنفيذية عادة في الولايات المتحدة، حيث نظرت المحكمة القضية Vejseli v. Enhanced Equity Fund، والتي حاول بها المساهمون تمرير ترشيحات جديدة لمجلس الإدارة في اجتماع الهيئة العامة، دون الالتزام بلوائح الإشعار المسبق المقررة ضمن النظام الداخلي للشركة.

العقدة في القضية تمحورت حول أن هذه اللوائح المنظمة لعملية الترشح (والتي تصدرها ذات الإدارة) قد تمت صياغتها بطريقة معقدة وغير واضحة عمداً، وهو ما سمح للإدارة برفض إدراج الترشيحات بحجة عدم الالتزام بالإجراءات الشكلية.

ولولا تدخل المحكمة في هذه القضية لكانت هذه اللوائح سلاحا إقصائياً بيد الإدارة، يُجهض حق المساهمين في التغيير تحت مظلة التنظيم الإداري.

لكن محكمة ديلاوير، تدخلت بناءً على طعن من المساهمين وأرست قاعدة قانونية هامة:

“Advance notice bylaws must not be weaponized to entrench management at the expense of shareholder democracy.”

“يجب ألا تُستخدم أنظمة الإخطار المسبق كسلاح لترسيخ الإدارة على حساب ديمقراطية المساهمين”

وهكذا أعادت محكمة ديلاوير تعريف الغاية من لوائح الشركات وأقرت المبدأ القضائي: تنظيم لا إقصاء.

 

* قانون الشركات الأردني ومبدأ لوائح الاشعار المسبق

في المقابل، لم ينص قانون الشركات الأردني حتى اليوم على لوائح إشعار مسبق بشكل مباشر، لكنه تضمن قواعد ذات صلة يمكن البناء عليها:

أولًا: مبدأ التصويت النسبي

كرّس المشرّع الأردني مبدأ التصويت النسبي (التراكمي) في انتخاب أعضاء مجالس الإدارة في الشركات المساهمة العامة. هذا المبدأ يساعد على تحقيق عدالة التمثيل ويمنع بالقدر الممكن استئثار الكتل الكبرى بكل مقاعد مجلس الادارة.

ثانيًا: تعليمات فترة كورونا

في ظل جائحة كورونا، أصدرت دائرة مراقبة الشركات تعليمات ألزمت الشركات المساهمة بنشر جدول أعمال اجتماعات الهيئة العامة إلكترونيًا قبل انعقادها، والاضافة الجديدة كانت عبر تمكين المساهمين من إرسال اقتراحاتهم للجدول المعلن. هذه الخطوة مثلت بداية صحيحة لكنها استثنائية ولم يتم التطوير عليها بالشكل الكافي؛ إذ ظلت مجرد تعليمات مرتبطة بالظرف الصحي، ولم تتحول إلى قاعدة دائمة ضمن بنية قانون الشركات. ورغم تنبيه الجهات المعنية لهذا الامر واصدار تعليمات خاصة بانعقاد الاجتماعات الالكترونية لاحقاً لجائحة كورونا، وبما في ذلك تمكين المساهمين من ارسال اقتراحاتهم بصورة مسبقة. إلا ان هذه التعليمات لا زالت بحاجه الى المزيد من التمكين التشريعي وإرساء أسس واضحة يمكن للإدارة -بحسن نية- البناء عليها لتنظيم مسائل عقد الاجتماعات وبما في ذلك اتاحة مجال تقديري للهيئة العامة بصورة مسبقة دون الحاجة الى اللجوء الى مراقب عام الشركات.

ثالثًا: الإفصاح في القطاعات المنظمة

تضمنت التشريعات الخاصة بالبنوك وشركات التأمين وجوب تزويد الجهات الرقابية بأسماء المترشحين لمجالس الإدارة قبل انعقاد الاجتماعات المخصصة لهذه الغاية. ورغم أهمية هذه الخطوة، إلا أن الغاية منها كانت رقابية وإجرائية أكثر من كونها تمكينًا للمساهمين أنفسهم.

 

* لماذا نحتاج لإقرار مبدأ لوائح الإشعار المسبق للشركات المساهمة العامة في الأردن؟

إن إقرار مبدأ لوائح الإشعار المسبق (Advance Notice Bylaws) في النظام القانوني الأردني للشركات المساهمة العامة لم يعد ترفًا تشريعيًا أو خيارًا تنظيميًا ثانويًا، بل هو ضرورة لحماية استقرار اجتماعات الهيئات العامة وضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين المساهمين كافة. ذلك أن الأصل في عمل الهيئات العامة أن يتم في إطار من الوضوح والانتظام الذي يسمح لجميع المساهمين بالاطلاع المسبق على المرشحين لمجالس الادارة. إذ بدون إشعار مسبق منظم، تغدو عملية الترشيح مفتوحة أمام عنصر المفاجأة، بما يخل بمقتضيات العدالة ويؤدي -بحكم خبرتي الشخصية وما اطلعت عليه من حالات متكررة- إلى تقويض قدرة المساهمين العاديين على اتخاذ قرارات مدروسة بشأن مستقبل إدارة الشركة.

وتؤكد التجربة القضائية المقارنة هذه الأهمية، كما يظهر في حكم محكمة ديلاوير في قضية Levitt Corp. v. Office Depot, Inc.  الصادر عام 2008، حيث اعتبرت المحكمة أن لوائح الإشعار المسبق تمثل وسيلة تنظيمية مشروعة لا تهدف إلى تقييد حقوق المساهمين، وإنما إلى -على حد تعبير المحكمة-: “تيسير الاجتماعات بشكل منظم وضمان الشفافية وحماية مصالح المساهمين عامة”. وقد جاء في قرار المحكمة ما نصه:

“Advance notice bylaws are recognized as a permissible method of facilitating orderly shareholder meetings and election contests, providing transparency and protecting shareholder interests generally.”

“تُعتبر لوائح الإشعار المسبق وسيلة مشروعة لتيسير انعقاد اجتماعات المساهمين وإجراءات انتخاباتهم بشكل منظم، بما يكفل الشفافية ويحقق حماية المصالح العامة للمساهمين.”

لقد بينت المحكمة في هذه القضية أن غياب التنظيم المسبق لآلية الترشح يفتح المجال أمام جماعات ضغط محدودة العدد لكنها مؤثرة، للسيطرة المفاجئة على قرارات مصيرية للشركة دون منح بقية المساهمين الفرصة الحقيقية للاطلاع والتحليل والتصويت الواعي.

من هنا، فإن اقرار نص تشريعي صريح يقر مبدأ لوائح الإشعار المسبق ضمن قانون الشركات الأردني يمثل خطوة باتجاه تعزيز الحوكمة الرشيدة، دون أن يشكل مساسًا بحقوق المساهمين في المشاركة أو الانتخاب، طالما اقترن بضمانات تشريعية تمنع تعسف الإدارة أو استغلالها لهذا المبدأ بصورة تؤدي إلى الإقصاء أو التقييد غير المبرر. المصلحة الحقيقية ليست في حماية إدارة الشركة (ان صح التعبير المساهمون المسيطرون) من المعارضة، بل في حماية الهيئة العامة للشركة ذاتها من الفوضى التنظيمية التي تنعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني ككل.

 

* ماذا يمكن أن نفعل في الأردن؟

حتى نوازن ما بين الحل الذي ذهبت إليه التطبيق الأمريكي لهذا المبدأ ونُحد من سلطة إدارة الشركة في التدخل في عملية الترشيحات، فأرى انه لا يكفي أن يترك القانون هذه المسألة لأنظمة الشركات الداخلية او تعليمات الادارة وحدها. انما يجب احاطه وتنظيم هذه المسألة ضمن إطار تشريعي ملزم ينظم هذه المسألة بوضح، ويمكن اجراء ذلك من خلال إضافة فقرة الى نص المادة 132 من قانون الشركات الأردني رقم (22) لسنة 1997 وتعديلاته مضمونها كما يلي:

“لا يُعتد بأي ترشيح لعضوية مجلس إدارة الشركة المساهمة العامة ما لم يقدم المساهم أو المجموعة المرشحة إشعارًا خطيًا لإدارة الشركة خلال مدة لا تقل عن سبعة ايام من تاريخ اجتماع الهيئة العامة، يتضمن اسم المرشح، مؤهلاته، خبراته المهنية، وأي علاقة له بالشركة أو بأعضاء مجلس إدارتها. ويجب على الشركة نشر هذا الإشعار على موقعها الإلكتروني قبل انعقاد الاجتماع بخمسة أيام على الأقل.”

 

وفي ذات السياق، فلابد كذلك من تعديل لتعليمات حكومة الشركات عبر إضافة نص مشابه لما يلي:

“على مجلس إدارة الشركة المساهمة العامة إعداد تعليمات داخلية لتنظيم إجراءات الترشح لعضوية مجلس الإدارة، بما يحقق مبدأ الشفافية ويكفل تكافؤ الفرص بين المساهمين، وبما لا ينطوي على قيود أو شروط تعسفية تحول دون ممارسة حق الترشح المشروع للمساهمين، وذلك مع الالتزام بأحكام التشريعات ذات العلاقة.”

 

في الختام، لم يكن قرار محكمة ديلاوير مجرد اجتهاد قضائي عابر، بل مثل إعلاناً واضحًا بأن ديمقراطية المساهمين لا تتحقق عند صناديق الاقتراع فحسب، وإنما تبدأ من وضوح الإجراءات، ومن شفافية التنظيم الذي يضمن أن يكون لكل مساهم صوت مدروس لا مفاجئ، مبني على قرار واعٍ لا مباغت. فالإجراءات التنظيمية ليست قيدًا على الحقوق، بل هي الإطار الذي يجعل الحقوق قابلة للممارسة الحقيقية والفاعلة.

ونحن اليوم في الأردن على أعتاب مرحلة اقتصادية جديدة تتطلب إعادة هيكلة منظومة الاستثمار وتحفيز إنشاء الشركات وتعزيز ثقة المستثمرين بسوق رأس المال الوطني. ولن تكتمل هذه المنظومة دون ترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة وجعلها قواعد موضوعية صلبة لا تقتصر على الجوانب الشكلية أو الخطابية. فمثل هذه التعديلات التشريعية تمثل حجر الأساس لتحويل ممارسات الشركات من أنظمة إدارية تقليدية إلى منظومة قانونية متكاملة تعزز الشفافية، وتكفل حماية حقوق جميع المساهمين، وترفع من تصنيف بيئة الأعمال في الأردن، ليغدو الاستثمار في الشركات المساهمة العامة خيارًا مأمونًا وجاذبًا لرؤوس الأموال الوطنية والأجنبية على حد سواء.

 


ضع تعليقك

جميع الحقوق محفوظة ل : مدونة المحامي محمد عماوي القانونية . © 2025