في الوقت الذي تتسارع فيه الاقتصادات العالمية نحو ابتكار أدوات قانونية لتيسير حركة رؤوس الأموال وتنشيط الأسواق المالية، يبرز مفهوم الاندماج العكسي (Reverse Merger) كأحد الحلول الذكية لإحياء الشركات المتعثرة من جهة وتحقيق مرونة في دخول الأسواق المالية دون عناء الإجراءات التقليدية للإدراج من جهة أخرى. وبينما يشتهر هذا المفهوم في الفقه القانوني المقارن، خصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يزال في الأردن مفهومًا غائبًا عن التداول الرسمي رغم وجود أطر تشريعية تسمح بتنفيذه بصورة ضمنية.
* ما هو الاندماج العكسي؟
يُقصد بالاندماج العكسي أن تقوم شركة غير مساهمة (لغايات مصطلح الاندماج العكسي شركة غير مدرجه في السوق المالي) بالاندماج مع شركة مساهمة قائمة ومدرجة في السوق المالي، بحيث تنقضي الشخصية الاعتبارية للشركة غير المدرجة في السوق المالي وتُصبح الأخيرة ((مُمثلة)) في الكيان القانوني للشركة المدرجة في السوق المالي، ويؤول -بنتيجة عملية الاندماج- رأس المال والسيطرة الفعلية للشركة المستثمرة (التي كانت غير مدرجه).
ورغم أن الشكل الخارجي يوحي بأن الشركة المدرجة في السوق المالي ((ابتلعت)) الشركة الأخرى، إلا أن الواقع الفعلي هو أن الشركة المستثمرة (التي لم تكن مدرجه)، استخدمت الشركة المدرجة في السوق المالي كوعاء قانوني للوصول الى السوق المالي.
* الجذور الفقهية لمفهوم الاندماج العكسي
تعود بدايات استعمال مصطلح “Reverse Merger” إلى الأوساط القانونية الأمريكية منذ ستينيات القرن الماضي، حيث استخدم كأداة قانونية لتسهيل إدراج الشركات الناشئة أو الشركات العائلية في البورصات دون المرور بالإجراءات التقليدية الطويلة لطرح الأسهم العام (او كما هو متداول في الأردن تحويل الشركة الى مساهمة عامة او حتى انشاء شركة مساهمة عامة جديدة).
وقد شاع استخدام هذا النموذج تحديدًا في بورصة نازداك Nasdaq Stock Market خلال العقود الماضية، خاصة من قبل شركات التكنولوجية التي كانت تبحث عن الوصول إلى التمويل الاستثماري او مساهمة من قبل صناديق الاستثمار المغامر بأقل تكلفة تنظيمية ممكنة.
ويمكن القول إن الاندماج العكسي يعد تطوراً أو وجهاً أخر لمفهوم الاستحواذ لكنه ينفذ في صورة اندماج الضم وليس عبر شراء الأسهم او رسملة سندات الدين، مع الحفاظ على كيان الشركة المدرجة باعتبارها الطرف “القانوني” الباقي.
* التنظيم القانوني للاندماج العكسي في النظام القانوني الأردني
رغم عدم استعمال مصطلح “الاندماج العكسي” في قانون الشركات الأردني رقم 22 لسنة 1997 وتعديلاته، إلا أن المادة 222 من قانون الشركات التي نظمت عمليات الاندماج القانونية وقسمتها الى وجهين همان: اندماج الضم واندماج المزج، اشارت بصورة غير مباشرة يمكن تطويعها للحديث عن أن المشرع الأردني لم يمانع شكل الاندماج الخاص المسمى بالاندماج العكسي.
وتبرز دلالة ذلك بصورة خاصة في الفقرة الخامسة من المادة 222/أ/1 من قانون الشركات، التي أجازت تداول أسهم الشركة الدامجة بمجرد إصدارها إذا كانت شركة مساهمة عامة. وهذه الإجازة -الواردة صراحه في نص المادة 222-، مقرونة بجواز اندماج شركات ذات أشكال قانونية مختلفة طالما كانت غاياتها متماثلة أو متكاملة، وهو ما يُشكل الأساس القانوني الذي يمكن من خلاله تبني مفهوم الاندماج العكسي.
إلى جانب ذلك، ينسجم هذا النموذج مع أحكام التقييم العادل للأصول والخصوم، وحقوق الشركاء أو المساهمين في الشركات المندمجة، وفق ما ورد في نظام اندماج الشركات رقم 50 لسنة 2008.
* مزايا الاندماج العكسي
يتفوّق الاندماج العكسي على الطروحات العامة التقليدية من عدة جوانب:
* أثر الاندماج العكسي على الاقتصاد الأردني
في بيئة اقتصادية (اشعر بالاسى حينما أقول انها راكده) تحتاج إلى حلول مبتكرة لجذب الاستثمار المحلي والأجنبي، فإن مثل هذا الحل القانوني (الاندماج العكسي) يوفر خيارًا حقيقيًا لتمكين الشركات الناشئة او تلك الشركات الراغبة بالتوسع، خصوصًا في قطاعات التكنولوجيا والصناعات الإبداعية (وهو ما تشتهر به الأردن)، من الوصول إلى تمويل السوق العام دون الحاجة إلى المرور بمراحل الطرح التقليدية المُكلفة.
كما يمكن لهذا النموذج القانوني أن يُسهم في إحياء الشركات العامة المتعثرة، مما يُقلل من ظاهرة (الشركات القشرة – Shell Companies) أو الشركات ذات التداول المعدوم في سوق عمان المالي، ويُعيد لها دورها كأوعية استثمارية نشطة.
إضافة لذلك، فإن تنظيم هذا النوع من العمليات بشكل أكثر وضوحًا من خلال تعليمات تصدر عن هيئة الأوراق المالية أو مراقب الشركات، من شأنه أن يعزز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في البيئة القانونية الأردنية، ويُساهم في تحسين ترتيب الأردن في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال.
ختاماً، وكباحث وممارس لمجال العمل القانوني المتخصص في الشركات على امتداد ما يزيد على أربعين عاماً، أستطيع القول بأن تبني معاملات الاندماج العكسي وطمأنة مطبقي القانون وكذا المستثمرين الى قانونيته، انما يعد فرصة ذهبية للاقتصاد الأردني وخطوة هامة لإعادة تفعيل أدوات السوق المالي وضخ الحياة في الشركات المتعثرة. وبينما لا يزال هذا المفهوم غائبًا عن التطبيق الفعلي، فإن النصوص القائمة تكفل إمكانية العمل به، وينقص الأمر فقط الإرادة التنظيمية، والتوجه العملي لاستغلال هذه الأداة القانونية الفعالة.