سندات الدين والسندات القابلة للتحويل: أداة تمويل قانونية تخدم الشركات العامة والناشئة

سندات الدين - Debt securities

سندات الدين – Debt securities

لا تزال بيئة التمويل في الأردن حذرة، لا سيما حين يتعلق الأمر بالشركات المساهمة العامة والشركات الناشئة التي تسعى إلى التوسع مع الحفاظ على السيطرة والملكية لمؤسسيها. في هذا السياق، تظهر الأدوات القانونية المهجورة عملياً للأسف في واقعنا العملي الأردني، وعلى رأسها سندات الدين وسندات الدين القابلة للتحويل إلى أسهم. هذه السندات تعتبر آلية تمويل قانونية ومحاسبية متوازنة وغير تقليدية تتيح تعظيم السيولة دون المساس الفوري بهيكل الملكية ودون الاضطرار الى اللجوء الى جهات التمويل التقليدية وما تفرضه من شروط وترتبه من التزامات قد يكون مبالغ بها بالأخص للشركات الناشئة.

تتيح هذه الأدوات النقدية (سندات الدين والسندات القابلة للتحويل الى اسهم) تمويلاً فعالاً يوازن ما بين ضمانات الاستثمار للمقرض وحقوق الملكية المباشرة بالنسبة للمقترض.

أطرح في هذه المقالة، لمحة عامة حول سندات الدين والسندات القابلة للتحويل الى اسهم، كأداة قانونية للتمويل كان المشرع الأردني قد تنبه إليها واقرها سابقاً لكن دون تطبيق عملي -فعلي- لها على نطاق متسع.

 

* ما هي سندات الدين؟ وكيف يتم إصدارها؟

رغم أن قانون الشركات الأردني رقم (22) لسنة 1997 وتعديلاته لم يفرد تنظيماً تفصيلياً لإصدار سندات الدين من قبل الشركات المساهمة العامة، إلا أن هذه الصلاحية لها امتداد واضح في قانون الأوراق المالية رقم (18) لسنة 2017، وتحديداً ما هو وارد في المادة (5)، والتي نصت على:

“على كل مصدر في المملكة ان يقدم الى الهيئة طلبا لتسجيل الأوراق المالية لديها وفقا للتعليمات التي يصدرها المجلس”.  وقد حددت المادة (3) من القانون ما هي الأوراق المالية ومن ضمنها اسناد القرض واسناد خيار المساهمة واي أوراق ماليه سواء كانت محلية او اجنبية، يوافق عليها مجلس مفوضي هيئة الأوراق المالية.

وقد أورد تعليمات إصدار الأوراق المالية وتسجيلها وتعاملها لسنة 2005، في المادة (8)، النص الآتي:

“يجوز للشركات المساهمة العامة إصدار سندات قرض قابلة للتداول شريطة الحصول على موافقة الهيئة العامة غير العادية وتسجيلها لدى الهيئة”.

وعلى ذلك، فإن اصدار السندات يتطلب موافقة الهيئة العامة باجتماع غير عادي وفق المادة (175) من قانون الشركات، وموافقة هيئة الأوراق المالية. أما السندات القابلة للتحويل إلى أسهم، فإنها تشكل درجة قانونية اعلى تتطلب إما نصاً صريحاً في النظام الأساسي يجيز ذلك، أو تعديلاً لنصوصه لتضمين هذا النوع من الحقوق المستقبلية لما لهذا النوع (السندات القابلة للتحويل الى أسهم) من آثار على حقوق الملكية.

* البعد والتصنيف المحاسبي لسندات القرض والسندات القابلة للتحويل الى أسهم:

تصنف سندات الدين العادية كالتزامات مالية مباشرة (ديون/مطلوبات) استناداً الى المعيار رقم (9) من المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS)، وذلك إذا حقق سند الدين العناصر التالية: وجود التزام تعاقدي بسداد مبلغ معين من المال، أن يكون السداد في تاريخ محدد.

أما السندات القابلة للتحويل إلى أسهم، فتخضع لأحكام المعيار رقم (32) من المعايير المحاسبية الدولية (IAS)، وتُعامل باعتبارها أداة مالية مركبة، تجمع ما بين مكونين:

  1. الجزء الأول: يمثل الالتزام المالي/الدين (Debt).
  2. الجزء الثاني: يمثل خيار التحويل إلى أسهم(Equity)، والاختلاف هنا الى ان هذا النوع من السندات يدرج ضمن بند “حقوق الملكية” في الميزانية العمومية للشركة.

* لماذا لا تجد سندات الدين والسندات القابلة للتحويل الى اسهم موطئ قدم حقيقي لها في الأردن؟

رغم الإطار القانوني القائم (والذي يحتاج الى مزيد من التنظيم)، تظهر التطبيقات العملية عدم انتباه او اكتراث فعلي تجاه هذه الأدوات. ولعل هذا الاحجام عائد الى عدد من الأسباب التي لمستها كمتعامل مع قطاع الشركات والاستثمار منذ ثمانينيات القرن الماضي:

  • لا تزال هيئة الأوراق المالية تشترط موافقة الهيئة العامة باجتماع غير عادي (لا بل قد تشترط احياناً -ولدي تجارب انا مطلع عليها شخصياً- موافقة شبه جمعية للهيئة العامة تحت بند “حماية اقلية المساهمين”)، في أي عمليات متعلقة بتحويل الديون الى سندات او رسملتها، وهو شرط يصعب تحققه في الشركات ذات قاعدة مساهمين واسعة.
  • لا يعالج الواقع التشريعي الأردني او ينظم أدوات قانونية تساعد على تطبيق نموذج سندات الدين او السندات القابلة للتحويل الى اسهم “سندات المساهمين” الا للشركات ذات الطابع الاستثماري الكبير كالشركات المساهمة العامة والشركات المساهمة الخاصة وبعض اشكال الشركات الأخرى غير المتداولة. في حين ان الشركات الأكثر تسجيلاً كالشركات ذات المسؤولية المحدودة والتي هي الوعاء القانوني الفعلي للشركات الناشئة لا تتضمن أي تنظيم لمثل هذا النوع من السندات (رغم وجود حيل قانونية غير مباشرة لمعالجة هذه الأوضاع).

*  إمكانية نقل النموذج إلى الشركات الناشئة (ذات المسؤولية المحدودة)

يقيد قانون الشركات الأردني في شكله الحالي الشركات ذات المسؤولية المحدودة من إصدار أوراق مالية، وهو ما يجعل استخدام أدوات شبيهة بسندات الدين القابلة للتحويل رهناً باتفاقيات وحلول غير مباشرة قد تنتهي بدخول الدائنين الى الشركة -على خلاف ما يطمح إليه المؤسسون او قد يرتضي به المستثمرون-.

ورغم تعاملي مع عدد من الحالات التي اوجدت بها حلولاً مباشرة للمستثمرين في الشركات الناشئة لمعالجة هذه الإشكالية ومن قبيل ذلك إيجاد طرح موازي عبر مفهوم القروض القابلة للتحويل (Convertible Notes) التي ندرجها في اتفاقيات مستقلة او الأنظمة الأساسية للشركات -بعد احاطه الأطراف بالمخاطر القانونية المرتبطة بتطبيقها على ارض الواقع-، إلا ان الحلول الالتفافية هذه لا تعد بديلاً كافياً عن النص التشريعي المباشر الذي يضمن حقوقاً مستقرة متوازنة للأطراف ويشجع هذه الفئة من المستثمرين على التعاطي المباشر في استثمارات متعلقة بالشركات الناشئة.

 

ختاماً، فإن تطوير البيئة القانونية لسندات الدين والسندات القابلة للتحويل الى اسهم، إنما يمثل حاجة قانونية ملحه لتعزيز آليات تمويل مرنة تتماشى مع متطلبات النمو وسوق الاستثمار والخروج في الأفق القانوني الاستثماري للمملكة بما يسهم في دوران اقتصادي غير مسبوق وخروج عن النهج التقليدي في التمويل. مع ما تقتضيه هذه الخطوة من وعي قانوني ومحاسبي من قبل المستثمرين جميعاً لطبيعة هذه الأدوات والآثار المترتبة عليها.

ولعل ما هو أمر حال ولازم الآن هو ضرورة العمل على تطوير البيئة التشريعية الخاصة بالشركات الناشئة لتمكينها من الاستفادة من هذه الحلول وغيرها.


ضع تعليقك

جميع الحقوق محفوظة ل : مدونة المحامي محمد عماوي القانونية . © 2025